سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {كدأب آل فرعون} في الدأب قولان. أحدهما: أنه العادة، فمعناه: كعادة آل فرعون، يريد: كفر اليهود، ككفر من قبلهم، قاله ابن قتيبة، وقال ابن الأنباري: والكاف في {كدأب} متعلقة بفعل مضمر، كأنه قال: كفرت اليهود، ككفر آل فرعون. والثاني: أنه الاجتهاد، فمعناه: أن دأب هؤلاء، وهو اجتهادهم في كفرهم، وتظاهرهم على النبي صلى الله عليه وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه السلام، قاله الزجاج.


قوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر {ستغلبون وتحشرون} بالتاء و{يرونهم} بالياء، وقرأ نافع ثلاثتهن بالتاء، وقرأهن حمزة. والكسائي بالياء. وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال. أحدها: أن يهود المدينة لما رأوا وقعة بدر، همّوا بالإِسلام، وقالوا: هذا هو النبي الذي نجده في كتابنا، لا ترد له راية، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى تنظروا له وقعة أخرى، فلما كانت أُحد، شكّوا، وقالوا: ما هو به، ونقضوا عهداً كان بينهم وبين النبي، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة، فقالوا: تكون كلمتنا واحدة، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح، عن ابن عباس. والثاني: أنها نزلت في قريش قبل وقعة بدر، فحقق الله وعده يوم بدر، روي عن ابن عباس، والضحاك. والثالث: أن أبا سفيان في جماعة من قومه، جمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد وقعة بدر، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب.


قوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} في المخاطبين بهذا ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم المؤمنون، روي عن ابن مسعود، والحسن. والثاني: الكفار، فيكون معطوفاً على الذي قبله، وهو يتخرج على قول ابن عباس الذي ذكرناه آنفاً. والثالث: أنهم اليهود، ذكره الفراء، وابن الأنباري، وابن جرير. فإن قيل: لم قال {قد كان لكم} ولم يقل: قد كانت لكم؟ فالجواب من وجهين. أحدهما: أَن ما ليس بمؤنث حقيقي، يجوز تذكيره. والثاني: أنه ردّ المعنى إلى البيان، فمعناه: قد كان لكم بيان، فذهب إلى المعنى، وترك اللفظ، وأنشدوا:
إِن امرءاً غره منكنَّ واحدةٌ *** بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
وقد سبق معنى الآية والفئة، وكل مشكل تركت شرحه، فإنك تجده فيما سبق، والمراد بالفئتين: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومشركو قريش يوم بدر. قاله قتادة والجماعة. وفي قوله تعالى: {يرونهم مثليهم} قولان. أحدهما: يرونهم ثلاثة أمثالهم، قاله الفراء، واحتج بأنك إذا قلت: عندي ألف دينار، وأحتاج إلى مثليه، فانك تحتاج إلى ثلاثة آلاف. والثاني: أن معناه يرونهم ومثلهم، قال الزجاج: وهو الصحيح.
قوله تعالى: {رأي العين} أي: في رأي العين. قال ابن جرير: جاء هذا على مصدر رأيته، يقال: رأيته رأياً، ورؤية. واختلفوا في الفئة الرائية على ثلاثة أقوال، هي التي ذكرناها في قوله تعالى: {قد كان لكم آية} فان قلنا: إن الفئة الرائية المسلمون، فوجهه أن المشركين كانوا يضعفون على عدد المسلمين، فرأوهم على ما هم عليه، ثم نصرهم الله، وكذلك إن قلنا: إنهم اليهود. وإن قلنا: إنهم المشركون، فتكثير المسلمين في أعينهم من أسباب النصر. وقد قرأ نافع: {ترونهم} بالتاء. قال ابن الأنباري: ذهب إلى أن الخطاب لليهود. قال الفراء: ويجوز لمن قرأ {يرونهم} بالياء أن يجعل الفعل لليهود، وإن كان قد خاطبهم في قوله تعالى: {قد كان لكم آية} لأن العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب. وقد شرحنا هذا في الفاتحة وغيرها. فإن قيل: كيف يقال: إن المشركين استكثروا المسلمين، وإن المسلمين استكثروا المشركين، وقد بين قوله تعالى: {وإِذ يريكموهم إِذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم} [الأنفال: 44] أن الفئتين تساوتا في استقلال إحداهما للأخرى؟ فالجواب: أنهم استكثروهم في حال، واستقلوهم في حال، فإن قلنا: إن الفئة الرائية المسلمون، فإنهم رأوا عدد المشركين عند بداية القتال على ماهم عليه، ثم قلل الله المشركين في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم، فنصرهم الله بذلك السبب. قال ابن مسعود: نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم، فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. وقال في رواية اخرى: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة، فأسرنا منهم رجلاً، فقلت: كم كنتم؟ قال: ألفاً.
وإن قلنا: إن الفئة الرائية المشركون، فإنهم استقلوا المسلمين في حال، فاجترؤوا عليهم، واستكثروهم في حال، فكان ذلك سبب خذلانهم، وقد نقل أن المشركين لما أسروا يومئذ، قالوا للمسلمين: كم كنتم؟ قالوا: كنا ثلاثمائة وثلاثة عشر. قالوا: ما كنا نراكم إلا تضعفون علينا.
قوله تعالى: {والله يؤيد} أي: يقوي {إن في ذلك} في الإشارة قولان. أحدهما: أنها ترجع إلى النصر. والثاني: إلى رؤية الجيش مثليهم، والعبرة: الدلالة الموصلة إلى اليقين، المؤدية إلى العلم، وهي من العبور، كأنه طريق يُعبر به، ويتوصل به إلى المراد. وقيل: العبرة: الآية التي يعبر منها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم. والأبصار: العقول والبصائر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8